- شركات تبيعه فى القاهرة لمهربى الآثار بفواتير أجهزة حفر آبار مياه.. وتساعدهم فى تحليل بيانات مواقع المقابر الأثرية بعد البيع
- قوانين تجريم حيازة الجهاز غائبة.. و«الدهابة» يطالبون بتقنينها ليعملوا فى أمان
- تجربة التقنين تفشل فى أسوان.. و«الدهابة»: بعض الضباط يضبطون الجهاز لحسابهم ويسخرون العساكر للعمل بها
- القاهرة تصدّر الأجهزة بعد تطويرها لعصابات التنقيب عن آثار الخليج.. ومدير شرطة الآثار: نحتاج تشريعاً يقنن عمل الأجهزة
- خبراء الاتصالات: محظورة وفقاً لقانون الاتصالات.. وخبراء الثروة المعدنية: مسموح العمل بها وفقاً للقانون.. وقضايا حملة الأجهزة فى المحاكم: براءة
- كبير مفتشى الآثار بدهشور: الأجهزة بدأت فى الظهور بعد الثورة.. ووزارة الآثار لا تمتلك أجهزة بتلك التقنيات
- مونيكا حنا: عصابات الآثار تحصل على دورات تدريبية لكيفية التعامل مع الأجهزة فى الإمارات.. وأجهزة البعثات دخلت ولم تخرج بعد الثورة
فى ليلة صيفية دافئة، خرجت سيارة دفع رباعى من أحد الموانئ المصرية، وبداخلها مهندس بترول، وخبير أجنبى وبحوزته جهاز للكشف عن المعادن، كانت وجهتهما نحو مدينة الغردقة، للعمل لدى إحدى شركات التنقيب عن البترول، ولكن السيارة انحرفت نحو مدينة القصير التى تبعد عنها 180 كيلومتراً جنوباً، بناء على اتفاق بين المهندس المصرى، وشخص يدعى «محمد القناوى»، (اسم مستعار)، للقيام بمهمة سرية، داخل طريق وادى الحمامات الأثرى الواقع بين مدينتى قفط والقصير، كانت المهمة هى تحديد موقع إحدى المقابر الفرعونية تمهيداً للحفر وسرقتها، لكن خلافاً نشب حول تقسيم ما سيخرج أوقف الاتفاق، وعادت السيارة للشركة.
لم تكن الحكاية التى دارت فصولها منذ ما يقرب من عام هى الأخيرة من نوعها ولا الأولى، سبقتها حكايات أخرى منذ ثورة 25 يناير، كان «القناوى» الذى تحدث لمعد التحقيق، شريطة إخفاء هويته، مجرد وسيط بين أحد العاملين فى شركات التعدين والبترول والخبير الأجنبى الذى يدخل الجهاز بحوزته، وعصابات التنقيب عن الآثار التى وجدت فى أجهزة الكشف عن المعادن «عصا سحرية» وطريقاً سهلاً للوصول لمقابر الفراعنة فى الصحراء، التى يقول عنها القناوى إنها «تستطيع الوصول إلى عمق أكثر من 50 متراً تحت الأرض، ليحدد موقع المقبرة بدقة وما تحتويه».
«الوطن» تجرى «تحقيقاً استقصائياً» فى 5 محافظات وتكشف تورط أثريين وجيولوجيين وضباط شرطة
فى قرية بنى موسى، بمحافظة المنيا، نجحت إحدى عصابات الآثار فى الوصول لعدد لا بأس به من التماثيل الذهبية والجرانيتية، بعد سرقة أكثر من مقبرة فرعونية من القرية الأثرية، بمساعدة أجهزة الكشف عن المعادن المتطورة، يقدر ثمنها بثلاثة ملايين جنيه، دخلت لمصر عن طريق التهريب من الحدود، وذلك حسبما أورده «محضر القبض عليهم فى يونيو 2014، وتفريغ الفيديوهات التى كانت على اللاب توب الخاص بالعصابة».
من هنا كانت بداية الخيط لتحقيق استقصائى أجرته «الوطن» فى خمس محافظات مصرية، حول انتشار أجهزة الكشف عن المعادن «المحظور استخدامها» بين المواطنين فى ظل غياب الرقابة الأمنية على عمليات بيعها وتأجيرها، بجانب عدم وجود قوانين تحد من ذلك، واستخدامها فى نبش المقابر الفرعونية فى صعيد مصر، والتنقيب غير المشروع عن الذهب فى جبال البحر الأحمر.. التفاصيل فى السطور المقبلة.
- محرر «الوطن» يتقمص دور مهرب آثار يسعى لشراء جهاز.. ويرصد عمليات الاتجار من القاهرة إلى أسوان
- دراسة
فى دراسة أجراها باحثون أمريكيون فى جامعة «ألاباما»، ظهر أن عمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار زادت فى مصر بصورة مطردة فى الفترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، وتشير الدراسة التى استخدم فيها الباحثون صوراً من الأقمار الصناعية، إلى أن نشاط عصابات النهب زاد، حيث أحصى الباحثون 38 ألف حفرة نهب سنوياً خلال الفترة من 2011 حتى 2013، ووثق الباحثون الذين زاروا المنطقة بأنفسهم خلال الدراسة أن ثلاثة أرباع الضرر الإجمالى حدث خلال تلك السنوات الثلاث، وهى نفس الفترة التى بدأت تنتشر فيها أجهزة الكشف عن المعادن فى ربوع مصر، حسبما ذكر متخصصون نوردهم فى نص التحقيق.
- جيولوجيون وخفراء
فى محافظة سوهاج، استغل أحد خفراء حراسة المواقع الأثرية رحيل البعثة الأثرية الأجنبية الموكل بحراستها إلى بلدها لقضاء إجازة بعد الثورة، وتسلل إلى داخل بيت الحفائر، الذى يحوى معداتها، ليسرق جهاز الكشف عن المعادن الخاص بهم، ويبدأ فى تأجيره لعصابات الآثار مقابل مبلغ مادى مناسب، مونيكا حنا، أستاذ علم المصريات بالجامعة الأمريكية كانت شاهد عيان على تلك الواقعة، حيث كانت تعمل مع البعثة، وتقول إن «الأجهزة كانت تدخل إلى البلاد قبل الثورة فى حوزة الخبراء والبعثات الأجنبية بعد تصريح أمنى، وتخرج معهم، وتقيد على «الباسبور» لكل منهم، ولكن بعد الثورة لم تخرج تلك الأجهزة، واستولت عليها عصابات الآثار لاستخدامها فى نبش القبور الفرعونية».
بدأت تلك الأجهزة فى الانتشار بعد ثورة 25 يناير، فى ظل الفوضى التى عمت البلاد، وجدت فيه عصابات الآثار بديلاً لفشل الشيوخ والدجالين، الذين ساءت سمعتهم، قبل أن كانت تدخل البلاد قبل الثورة بحساب، وتحت رقابة الجهات الأمنية، وتكاد «حنا» تجزم بأن تلك الأجهزة أصبحت بعد الثورة فى يد جميع عصابات التنقيب عن الآثار.
وتقول «حنا» إن تلك الأجهزة ساعدت فى زيادة سرقة المقابر الأثرية بصورة كبيرة، ووسعت من رقعة البحث عنها خارج نطاق المناطق المعروفة، خاصة فى صحراء الصعيد الذى لا يتمتع بأى حراسة، وبدأت بالظهور فى منطقة دهشور وجرزة وجبانة منف، وبالقرب من أهرام الجيزة وسقارة، وما لبثت أن انتشرت فى كافة أنحاء الجمهورية.
«تورط جيولوجيين فى تلك العمليات ده شىء أكيد» تقول «حنا» مبررة ذلك بأن ما يخرج عن الجهاز بيانات وأرقام لا يمكن التعامل معها بسهولة، ولكن لا بد من وجود متخصص يحللها، ويساعد المنقبين فى تلك العمليات، وتؤكد أن لديها معلومات بوجود فنى بصحبة عصابات الآثار خلال العمل بصفة دائمة للتعامل مع الجهاز.
تتبعت «الوطن» عمل الجهاز من القاهرة لأسوان، والتقى معد التحقيق عناصر فى عصابات التنقيب، بعد التنكر فى شخصية سارق آثار وجد شواهد مقبرة أثرية تحت منزله بمحافظة المنيا (إحدى أهم المحافظات التى تشهد عمليات تنقيب عن الآثار بصورة كبيرة) ويسعى للوصول إليها من خلال جهاز للكشف عن المعادن، ووثقت تلك اللقاءات بالصوت والصورة، لمعرفة كيفية دخول الجهاز ورصد عمليات البيع والشراء والتأجير.
البداية كانت من محافظة قنا، وفى مقهى مبنى من البوص والأخشاب المتهالكة، يستقر على بداية طريق صحراوى، يربط بين مدينة قفط الأثرية بمحافظة قنا، ومدينة القصير التى تقع على البحر الأحمر، كان اللقاء بأحد الخفراء العاملين بقطاع الآثار، تواصلت معه «الوطن» للوصول لأحد العاملين بالجهاز، يدعى «أحمد سعد»(وهو اسم مستعار)، وتحتفظ الوطن باسمه الحقيقى، يعمل خفيراً على أحد المواقع الأثرية منذ سبعة أعوام، قبلها كان يعمل مع عصابات الآثار فى نبش المقابر الفرعونية، وكشف أنه هو نفسه عمل بالجهاز لسنوات، لا يمتلكه، ولكنه كان بصحبة عصابات كانت تعمل به، حيث يحفظ المناطق الفرعونية عن ظهر قلب، ويعمل معهم كدليل للوصول لمقابر فرعونية بمدينة قفط، ويقول إن «صحراء قفط مليئة بالمقابر وبخاصة وادى الحمامات القريب من جلسته ولا يفتحها سوى الجهاز، هو الحل السحرى لفتح تلك المقابر».
تعاون «سعد» مع أحد العاملين فى شركات البترول أو التعدين لجلب الجهاز واستخدامه فى نبش المقابر الفرعونية، ولكن بعد فتح أولى تلك المقابر راح فى نوم عميق لساعات وأخذ يحلم بالثراء الذى ينتظره، وصحا على صوت قوات الشرطة تحيط بالمقبرة، وتستخرج محتوياتها، واكتشف أن ما حدث كان اتفاقاً أبرمه مهندس البترول مع أحد عناصر الشرطة، لكى يؤمنوا خروج محتويات المقبرة لصالحهم«ونطلع إحنا من المولد بلا حمص».
بشاربه الكث، وبشرته السمراء، جلس واضعاً ساقاً على ساق، يدخن النرجيلة، ويقول «سعد» بصوت باتر: «الجهاز مع ناس كتير من اللى شغالين فى الآثار فى قنا.. ناس تقيلة، أعضاء مجلس شعب ورجال أعمال»، ويشير إلى أن الجهاز يبدأ سعره من 100 ألف جنيه، ويأتى من الخارج بحوزة بعض العاملين فى قطاع البترول والخبراء الأجانب، خاصة من دبى والصين: «الجهاز ده بيجيب كل حاجة تحت الأرض، ويحدد لك اللى جوه المقبرة، سواء تماثيل دهب أو بازلت أو حجارة، عشان نقدر نشوف المقبرة تسوى ولا ما تسواش».
وتوفر تلك الأجهزة من الوقت والجهد على عصابات الآثار بنسبة 60%، حسب تقدير وهيبة صالح، كبير مفتشى الآثار بمنطقة دهشور، التى لا تستطيع التعامل مع أجهزة الكشف عن المعادن ولا استخدامها، رغم عملها فى التنقيب عن الآثار لأكثر من عشرين عاماً، ولا توفر لها وزارة الآثار مثلها، وتقول إنها «تستعين قبل التنقيب بهيئة البحث والمسح الجيولوجى التابعة لوزارة الدفاع المصرية، وبعض التقارير الصادرة من البعثات التى تأتى من الخارج لتحديد مواقع الحفر ومواقع المقابر المراد العمل عليها، لما لديهم من أجهزة كشف معادن وفراغات متطورة»، وتتابع: «ما تمتلكه عصابات التنقيب عن الآثار من أجهزة لا يتوافر لوزارة الآثار نفسها ولا للعاملين بها».
- تجربة تأجير الجهاز
امتهن البعض عمليات تأجير الجهاز والعمل بها فى مساعدة العصابات على الوصول للمقابر الفرعونية، نظير مقابل مادى يحدده مقتنى الجهاز، أو جزء مما يستخرج من المقبرة، لم يكن الوصول إليها شيئاً صعباً، كانت البداية عبر أحد المجموعات الإلكترونية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، للوصول إلى أحد وسطاء عملية التأجير، المجموعة تتخذ من «هواة البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز» اسماً لها، وداخلها تسير الكثير من النقاشات والحوارات حول عمليات التنقيب ومن تلك الموضوعات المطروحة أجهزة الكشف عن المعادن ودورها فى التنقيب.
تواصل محرر «الوطن» مع مؤسس المجموعة، الذى يعمل من خلال حساب وهمى، وطالبناه بالمساعدة للوصول لمؤجر، وتطوع هو بالمساعدة، وأرسل رقم هاتف لشخص يعمل على تأجير الجهاز والمساعدة فى فك الشفرات التى تخرج منه.اتصلنا بالرقم، جاء الصوت على الطرف الثانى يسأل، أخبرناه أننا من طرف مؤسس المجموعة، حدد لنا الصوت موعداً على أحد المقاهى البعيدة فى مدينة حلوان للاتفاق.على مقهى شعبى، يضج بالزبائن، وعلى إحدى الطاولات المنزوية اتخذنا مكاناً للقاء، عرّف الصوت نفسه، «محمد نصر»
(اسم مستعار) وتهرب من التعريف بمهنته، وجلس يتلفت حوله بعينين زائغتين، استمع للقصة «المختلقة» التى سردها معد التحقيق، طالب بالإجابة عن بعض الأسئلة قبل الحديث عن الجهاز.
- منقب عن الآثار يطلب من محرر «الوطن» 15 ألف جنيه لتأجير الجهاز و6 آلاف دولار لتوصيله بالقمر الصناعى.. وعميد شرطة يؤّمن انتقال الجهاز عبر المحافظات
بدأت الأسئلة: هل وجدتم دلائل فى موقع الحفر؟ وأجاب المحرر بوجود «شقفة» منقوش عليها بعض الرسومات الفرعونية، سأل عن موقع ذلك النقش، وهل كان فى اتجاه القبلة أم فى اتجاه مغاير، وطبيعة التربة، وشكل الرموز المكتوبة عليها لتحديد العصر الذى تنتمى له المقبرة، وصورة من النقش، وهل كانت هناك هضبة تعلو الأرض التى وجد فيها النقش؟».
وقبل الرد على الأسئلة، كان «نصر» يحمل فى جعبته لنا عرضين، لا يتوقفان فقط على كشف المقبرة بالجهاز، ولكن تسويق ما سيخرج عنها من محتويات لعصابات آثار فى خارج مصر، حيث لا يكتفى الجهاز الذى بحوزته بكشف المقبرة، ولكن يلتقط صوراً لها فى أعماق التربة ويرسلها عبر القمر الصناعى لعصابات الآثار بالخارج.
وكان العرض الأول الذى قدمه «نصر» ينطوى على شكل يبدو شرعياً للتنقيب، ويقتصر دورنا ودوره على التأكد من خلال جهاز الكشف بالمعادن الذى بحوزته على وجود المقبرة بالفعل، ثم يلتقط الجهاز صوراً للمقبرة ويرسلها عبر القمر الصناعى، لشبكة تجارة الآثار بالخارج، التى ترسل بعثة أثرية بشكل رسمى وتقوم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للوصول للمقبرة أمام أعين الدولة، ومن خلال بعض الرشاوى للعاملين فى قطاع الآثار وهيئة المتابعة، حسب روايته، ستقوم بالوصول لما يحلو لها من التماثيل وترسلها للخارج، ولكن مقابل ذلك العرض كان زهيداً للغاية، حيث يدفع 50 ألف جنيه وثمن الأرض فقط لا غير، بخلاف التكفل بثمن تأجير الجهاز وإرسال الصور عبر القمر الصناعى، التى تتكلف 6 آلاف دولار فى الصورة الواحدة.
أما العرض الثانى فقد قدمه «نصر» بعدد من المطالب، فى مقدمتها وأهمها ضرورة وجود تأمين مسلح لموقع الحفر، وتأمين جيران الموقع، وبعد ذلك علينا، حسب طلبه، تحمل نفقات كثيرة خلال عمليات الحفر، ولكن ذلك بالفعل سيعوضه ما سيجنيه الباحث عن المقبرة بعد فتحها، خاصة لو كانت مقبرة بكراً لم تمسها يد اللصوص والمخربين.
كان «نصر» يتحدث بسرعة لافتة، ويقول إن لديه مشوار سفر طويل من القاهرة لأسوان، وبالتحديد فى مدينة أدفو، فى مهمة البحث بجهازه عن مقبرة تحت منزل مدير لقطاع حكومى كبير بمدينة أدفو.
طمأن «نصر» معد التحقيق بأن عملية نقل الجهاز من القاهرة إلى موقع الحفر بالمنيا ستكون داخل عربة أحد عمداء الشرطة، حيث تعد مصدر أمن فلا يستطيع فرد شرطى أو كمين إيقافها وتفتيشها، وبعد استخراج المقبرة سنتحمل 6 آلاف دولار، ثمن تكلفة الصورة التى سترسل إلى المشترين بالخارج.
وبسؤاله عن خطورة الاتصال بالقمر الصناعى والتخوف من رصدها من جانب الجهات الأمنية، استقبل السؤال ضاحكاً: «لسه موصلتش تقنياتهم لرصد الجهاز ولا رسايله»، وقال بثقة مفرطة: «متقلقش ديه شغلتنا».
وأضاف: «بعد الوصول للمقبرة ومعرفة محتوياتها سيتم الاتفاق داخل إحدى سفارات الدول الأوروبية بالقاهرة، بعد تقدير عالم آثار يعمل معهم لحجم المقبرة ومحتوياتها، ثم يترك لك تحديد مكان استلام المبلغ المتفق عليه».ويقول بصوت خافت، إن الجهاز ممنوع تداوله ودخوله مصر، وجاء من الأردن عبر تفكيكه ودخوله على أجزاء داخل بعض الحقائب، للتهرب من الجمارك لخطورة الجهاز، الذى كان موجوداً لدى وزارة الآثار الأردنية، وبطريقة ما، رفض الإفصاح عنها، وصل إليهم، لذلك يجب تجنب الحديث عن الجهاز فى الهاتف والاكتفاء بالتواصل عبر Whats appولم ينكر اللواء أحمد شاهين، مساعد وزير الداخلية لقطاع الآثار، ضلوع بعض أفراد الشرطة فى تسهيل مهمة عصابات الآثار، لنقل الجهاز عبر المحافظات بعد مواجهته بما حصلت عليه «الوطن» من مهرب الآثار، ويقول: «من يثبت تورطه أو تعاونه مع عصابات التنقيب عن الآثار تتخذ ضده كل الإجراءات القانونية».
وتابع «شاهين» أن هناك يومياً وقائع ضبط عمليات تنقيب عن الآثار فى كامل تراب الجمهورية، وبخاصة فى الصعيد، وطالب بتشديد العقوبات وضرورة وجود عقوبات رادعة لحملة الأجهزة من أفراد العصابات، وبخاصة من ليس لهم شخصية اعتبارية متصلة بالجهاز، كمهندسى التعدين أو علماء الآثار، كما حمّل دخول الجهاز إلى البلاد إلى الجمارك وإدارة الموانى «الأجهزة التى تتصل بالأقمار الصناعية عددها محدود فى العالم، وتمتلكها بعض الدول، ولا يسمح بالعمل بها للأفراد، ومحظور استخدامها دولياً إلا لعدد معين من الدول ولا تمتلكها مصر»، ويشير اللواء رأفت الشرقاوى، مدير إدارة التراخيص بالأمن العام، لرخصة الأجهزة الدولية التى تسمى «رخصة المستخدم النهائى».
- فى جبال الدهابة
لرصد العاملين بالجهاز فى الصحراء، كانت الرحلة من قفط التابعة لمحافظة قنا، أخذت السيارة تنهب الأرض، فى طريق ملتوٍ يتجه نحو الغرب، 180 كيلو بين جبال البحر الأحمر تنتهى عند مدينة القصير على شاطئ البحر الأحمر، وفى منتصف الطريق ظهرت عشة خشبية على مبعدة من مكان يضج بالنقوش الأثرية القديمة، هنا كان اللقاء بدليل يحفظ دروب الصحراء استعانت به «الوطن» للوصول إلى مكان عمل الدهابة، قال إن الجبال الحمراء التى تظهر بين الحين والآخر على جانبى الطريق تضج بحبات الذهب، كان علينا استبدال السيارة بأخرى ذات دفع رباعى، للدخول لمدق جبلى يتجه شمالاً صعب السير بداخله لمسافة 50 كيلو، عشرة كيلو مترات وانقطع أى إرسال لشبكات الهواتف.
تظهر على جنبات الطريق الرملى الكثير من آثار التنقيب والحفر، يقول عنها الدليل الذى تحتفظ «الوطن» باسمه إنها جراء عمليات تنقيب عن الذهب بأجهزة الكشف عن المعادن، وبعد 50 كيلومتراً، ظهرت منطقة «وادى حمام 1».
هنا يظهر الطفل محمد عثمان، معتلياً أحد الجبال الكبرى يراقب المكان، وسط عمل العشرات فى صمت، حيث تعد تلك المنطقة أكثر الأماكن التى تضج بعمل الكثير من الدهابة، ويقول صاحب الـ16 عاماً إنه تعلم العمل من ابن عمه، يمسك بيده أحد الأجهزة، يقول إن ما يصدر عنها من أصوات خلال البحث فى الصحراء يحدد موقع الذهب، ليتوقف ويبدأ فى الحفر: «الكل هنا بدأ العمل على الجهاز، واللى علمنا عليه هم السودانيين، اللى كانوا بييجوا من بلادهم للتنقيب فى أراضينا».
الفقر المدقع هو ما دفع الطفل «عثمان» للعمل فى الصحراء، يخشى دائماً تتبع قوات الأمن، خوفه يكون على الجهاز وليس على نفسه: «حينما يقومون بالقبض علينا يضبطون الجهاز ويتركونا بعد أيام»، يتمنى الطفل أن يعمل بأمان، وأن تكون هناك إجراءات قانونية تحميه، ولا يجد فى عمله شيئاً يضر الأمن حتى يتعقبه.
بالقرب من جرف كبير ظهر «محمود علوان» (اسم مستعار)، رفض التحدث فى البداية لكنه وافق بعد تأكيدنا على إخفاء هويته، وتصويره وهو ملثم الوجه، خوفاً من تعقب الشرطة، يعمل منذ ستة أشهر داخل الجرف فى التنقيب عن الذهب وسط مجموعة مشكلة من ستة أفراد، كانت بداية العمل من خلال جهاز الكشف عن المعادن الذى حدد موقع العمل.
كل ما يحلم به الرجل الأربعينى والعاملون إلى جواره هو تقنين وضع الجهاز حتى يعملوا بأمان، حيث يدفعون الكثير من الأموال لرجال القبائل الذين يسمون بـ«المعازة» كإتاوات لحمايتهم وعدم إرشاد الأمن عن مكانهم.
لم يكن تقنين وضع الجهاز يحمى الدهابة من «بلطجية الصحراء» فقط، ولكن يمكنهم من بيع بضاعتهم من الذهب، دون الحاجة للجوء إلى بيعه لبعض تجار الصاغة الذين يشترونه منهم بثمن بخس، أو اللجوء لتهريبه للسودان، حيث يباع بسعر أكبر من تلك النقود التى يلقيها لهم تجار الذهب بالصاغة، يقول «علوان».
بجلبابه الرث وملامحه الجنوبية، ولهجته الصعيدية قال «علوان» إن «الجهاز كان يدخل فى البداية مهرباً عبر الحدود السودانية المصرية، بواسطة سودانيين متسللين يعمل الكثير منهم بين «الدهابة» المصريين، ولكن مع ظهور الكثير من الشركات التى تبيع الجهاز فى وسط القاهرة اتجه الكثيرون للقاهرة لشرائه، بدلاً من شراء الجهاز السودانى».
- محاولة شراء الجهاز
فى القاهرة، وبمجرد الضغط على زر البحث على موقع جوجل، بعد كتابة ثلاث كلمات فقط «جهاز الكشف عن المعادن»، يخرج عدد كبير من النتائج، وإعلانات لشركات عدة، صور للجهاز ممهورة بجمل: «لراغبى البحث عن الآثار» متبوعة بجملة «وتصل إلى أكبر الأعماق»، «لراغبى البحث عن الكنوز والذهب والآثار الفرعونية»، وكلها لشركات تذيل الإعلان بعناوينها فى أرقى شوارع العاصمة، وأرقام هواتف المسئولين عن تلك الشركات التى وصفت نفسها بشركات استيراد وتصدير أجهزة الكشف عن المعادن.
بالاتصال بأحد تلك الأرقام، رد على الهاتف شخص شامى اللهجة، سأله معد التحقيق عن أجهزة كشف المعادن تمهيداً للشراء، وقال الرجل الذى يدعى «هيثم الحلبى» (اسم مستعار)، إن لديه أكثر من نوع، وحسب الإمكانيات، وحسب الغرض من الاستعمال، وبسؤال هل حمل الجهاز يتطلب وجود ترخيص أو تصريح؟ قال بكل ثقة إن الجهاز لا يحتاج حمله إلى أى تصاريح، وطالب بالحضور إلى مقر الشركة الكائنة بأحد الشوارع الكبرى بمنطقة الدقى بالجيزة لرؤية الأجهزة على الطبيعة، وتحديد النوعية المراد شراؤها.
فى الموعد المتفق عليه، توجه «المحرر» إلى مقر الشركة، التى تقع بشقة بأحد الأدوار العليا بعمارة فارهة، بأحد أهم شوارع منطقة الدقى بالجيزة، وفى جلسة داخل غرفة صغيرة تضج جدرانها بصور أجهزة الكشف عن المعادن بأشكالها وأنواعها المختلفة، كان اللقاء بـ«الحلبى»، الذى عرف نفسه بأن سورى الجنسية، وحاصل على ماجستير فى علوم الجيوفيزياء، من جامعة دمشق.
- الأجهزة تساعد عصابات الآثار فى تسويق المقابر من قبل الحفر.. وتحدد محتويات المقابر وخبراء آثار وجيولوجيون متورطون.. والاتفاقات تتم داخل سفارات دول أجنبية
بدأ اللقاء بإصرار واضح من الشاب لمعرفة الغرض من شراء الجهاز، وتحديد الشىء المراد الوصول إليه حتى يسهل اختيار نوعية الجهاز وإمكانياته، مؤكداً الحفاظ على سرية الحوار، طلبنا إغلاق باب الغرفة، ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه الشاب، قال: «يبقى كده انت عايز جهاز كشف فراغات تحت الأرض».
يفصح «المحرر» عن قصته «المختلقة»، ومسعاه نحو إحدى المقابر الفرعونية تحت منزله، مدعياً أنها المرة الأولى له فى هذا العمل، وهو ما دفعه للقائهم قبل الشراء ليفهم بعض الأشياء الخاصة باقتناء الجهاز.
يقول الشاب الأصلع إنها ليست المرة الأولى التى يتعاملون فيها مع منقبين عن الآثار، بل يوفرون لهم دعماً تقنياً بعد شراء الجهاز من خلال تحليل البيانات التى ستخرج عنه، ودعماً تعليمياً لكيفية عمل الجهاز بعد شرائه، مشيراً إلى أن شركتهم تعمل فى هذا المجال منذ ثلاث سنوات، وتوفر فاتورة جهاز حفر آبار مياه لتقديمه إلى أى كمين يعترض طريقهم وبحوزتهم الجهاز.
فتح «أيمن» جهاز «اللاب توب» وأخذ يقلب ويعرض ملفات العملاء من عصابات التنقيب عن الآثار والمرتبة جغرافياً حسب المحافظات، التى سبق وحللت لهم الشركة البيانات التى تخرج من الجهاز وتحدد لهم مواقع الحفر، بجانب عرض صور لمقابر منبوشة وما خرج منها من محتويات ومسلات شاهقة الارتفاع مدفونة فى الأرض.
يقول «الحلبى» إن الجهاز قادر على تحديد نوعية الفراغ، هل هو من صنع الطبيعة، أى كهف قديم، أو من صنع الإنسان، حتى يتأكد المنقب من وجود مقبرة بالفعل، ولا يهدر الأموال والمجهود فى الحفر وبعد ذلك تكون الحفر تجويفاً بفعل عوامل التقلبات الجيولوجية.
دخل «الحلبى» للغرفة المجاورة، وأخذ ينقل حقائب صغيرة، ويرصها على الأريكة المقابلة للمكتب، ثم يفتحها، ويعرض ما بداخلها من أجهزة كشف عن المعادن بأنواعها المختلفة، ويشرح كيفية العمل بها، وماركتها، وبلد المنشأ.
«هذا جهاز يصل لعمق 32 متراً، ويسمى بـ«Jeo Sonar» ويتكون من مجسات تزرع فى الأرض، طولها 30 سم، يشير إلى قطعة معدنية وهو جهاز «Sonar» يقوم بإرسال الموجات التى توصل بالمجسات، وتوصل من جهة أخرى بجهاز لاب توب ملحق بالجهاز، ويقول إن الجهاز يقرأ ويصل إلى المقبرة خلال عشر دقائق وثمنه 55 ألف جنيه.
يدخل الشاب الأصلع «أيمن»، ويعود بجهاز وصفه «الحلبى» بأنه أقوى أجهزة العالم يسمى «Gepard GPR»، حيث يعمل بنظام «جى بى آر»، ويصل ثمنه إلى 20 ألف دولار، وهو يخرج بأكثر من معلومة، حيث يحدد شكل المقبر ومكانها وطريقة الحفر، وما تحتويه المقبرة، ونوع الصخور التى ستقابلك خلال عملية الحفر.
ويستمر فى الشرح جهازاً تلو الآخر، ومن داخل حقيبة أخرى يخرج جهازاً يسمى الجهاز الاستشعارى، «Jeotara» وهو يعمل خلال أسلاك نحاسية تمسك باليد، موصلة بوحدة أرضية، ويرسل إشارات أرضية، وبعد عشر دقائق تبدأ الأسلاك النحاسية تتحرك لتحدد موقع الهدف من خلال تشكيل شكل على هيئة حرف إكس بالأسلاك النحاسية، ويصفه بالأكثر دقة، حيث يعمل بنظام الاستشعار عند بعد ويصل إلى عمق 20 متراً.
طمأن الشاب ذو اللهجة الشامية محرر «الوطن» الذى أظهر له عدم وعيه بطريقة عمل الجهاز بأن الشركة توفر دورة تدريبية بعد شراء الجهاز للتدريب على ما يخرج منه، وقال: «متقلقش مش هنسيبك حتى بعد الدورة التدريبية».
الأخطر من ذلك هو توفير تلك الشركات لعصابات الآثار التى تتعامل معها دورات تدريبية فى الخليج، خاصة فى دولتى الإمارات والكويت لتعلم كيفية التعامل مع الجهاز وما يخرج عنه من بيانات، حسبما تقول «مونيكا حنا»، أستاذ علم المصريات بالجامعة الأمريكية فى حديثها لـ«الوطن»، وتشير إلى أن الشركات أيضاً توفر متخصصاً بجانب الجهاز لتحليل ما يخرج عنه من بيانات للعصابات المنتشرة فى صحراء الصعيد والجيزة، مشيرة إلى أن تلك الشركات لا بد من مراقبتها أمنياً لأنها تساعد فى نهب ثروات البلد «المراقبة الأمنية ليهم صفر»، وتطالب «حنا» بضرورة إلحاق طلب الموافقة الأمنية على استخدام الجهاز للخبراء والمتخصصين بـ«جى بى إس» يحدد موقع الحفر ويراقب عمل الجهاز ويمنع استخدامه فى سرقة الآثار.
«لا تحتاج شركات الاستيراد والتصدير لإدخال أجهزة الكشف سوى موافقة من جهاز الأمن العام»، يقول محمد أبوزيد، رئيس الإدارة المركزية للجمارك بميناء بورسعيد، مؤكداً أن الأجهزة ليس عليها حظر استيراد، ومسموح بدخولها، وتابع أن تلك الأجهزة لم تدخل من ميناء بورسعيد، إلا لبعض شركات البترول والتعدين، ولم تستورد لأى شركات استيراد وتصدير خلال فترة إدارته للجمارك، ولم ينكر دخول تلك الأجهزة مهربة من الجمارك فى بعض حاويات أجهزة أخرى، مستغلين صغر حجمها.
- الأمن العام: نحظر دخولها للبلاد لأنها خطرة على ثروات البلاد.. وما يدخل للبلاد مهرب من الحدود.. وصاحب شركة تتاجر فى الجهاز: كل تصاريحنا رسمية ونحصل على موافقات من الأمن
- الأمن العام يرد
اللواء السيد جاد الحق، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام، قال لـ«الوطن» إن أجهزة الكشف عن المعادن تنقسم لدى وزارة الداخلية إلى شقين، الأول وهو يسمى بالأجهزة «السطحية»، التى تختص بتفتيش الأفراد على الأبواب فى بعض الهيئات والقطاعات الخاصة والعامة، وهى مسموح باستيرادها والاتجار بها، ولكن بعد استخراج التصاريح اللازمة، وتخضع الشركات التى تتاجر بها لمراقبة دورية من الأمن، ومعرفة دورية، ومراقبة على المشترين، الذين يكونون فى غالبية الأمور شركات الأمن والحراسة.
أما الأجهزة التى تختص بـ«الأعماق» فممنوع استيرادها أو الاتجار بها أو دخولها للبلاد، ولا يسمح للأفراد باقتنائها، ويقتصر السماح بدخولها فقط على الهيئات الشرطية والقوات المسلحة وبعض الهيئات العامة كالآثار والتعدين، وغير مسموح للأفراد باقتنائها أو شرائها أو الاتجار بها من الأساس، وهذا الحظر المفروض عليها وفق مقتضيات الأمن العام، وليس لها قانون ينظمها، ولكنه حظر أمنى تفرضه وزارة الداخلية لما لها من خطورة على الأمن، وما يدخل للبلاد يكون عبر التهريب من الحدود، وأى شركة تقوم ببيع تلك الأجهزة يعتبر مخالفة، ويجب ضبطها على الفور، إذا ثبت ذلك حسب تصريح مساعد الوزير لـ«الوطن».
وقال جاد الحق إن مراقبة شركات الاستيراد والتصدير، التى تبيع أجهزة الكشف عن المعادن، لمنع بيع أجهزة الأعماق ليست مهمة جهاز الأمن العام وحده ولكن مهمة كافة أجهزة الأمن بالبلاد.
وألمح مساعد الوزير إلى إمكانية إدخال شركات الاستيراد والتصدير بعض أجهزة الأعماق مهربة بين الأجهزة السطحية المسموح بدخولها، مشيراً إلى أن جميع الأجهزة تخضع لعمليات فحص من خلال لجنة تتبع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، تعقد بشكل شهرى للبت فى جميع الأجهزة قبل دخولها، التى تعطى الموافقة للأمن العام لإصدار التصاريح اللازمة للأجهزة السطحية فقط.
أما دخول الأجهزة بحوزة خبراء التعدين والبترول والآثار، فيقول إنهم يحصلون على تصاريح بعد طلب مقدم من الهيئة المعنية بهم، وبعد فحص الجهاز من قبل الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ويثبت الجهاز على باسبور الخبير، ويعين مراقب على الجهاز من الهيئة المختصة لمراقبة عمله فى المكان والغرض الذى قدم خلال طلب التصريح.
محمد حسيب، نائب رئيس هيئة اعتماد النوع بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، قال: «إن أجهزة الكشف عن المعادن تقوم بإرسال موجات وترددات، لذلك فهى خاضعة للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وغير مسموح بالاتجار فيها وفقاً لقانون الاتصالات، وإن تلك الشركات التى تبيعها لتجار الآثار مخالفة للقانون وعلى وزارة الداخلية ضبطها»، وأضاف: «إن بعض الهيئات والخبراء والباحثين يسمح لهم باقتناء تلك الأجهزة، وإدخالها للبلاد ولكن بتصاريح تصدر من الجهاز، ويصدق عليها من قبل الأمن العام».
بمواجهة صاحب إحدى شركات استيراد الأجهزة، محمد خليلى، بما كشفه التحقيق، قال بثقة مفرطة لـ«الوطن»: «إن جميع أوراقهم رسمية وإنهم يحصلون على كافة التصاريح الرسمية الخاصة باستيراد الأجهزة، وتشمل تصريح الأمن العام والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ودفع الرسوم الجمركية، ولكن شريطة بيع تلك الأجهزة لشركات التعدين وشركات المقاولات».
وبسؤاله عن نفى مدير الأمن العام إصدار تصاريح لأجهزة خاصة بالأعماق، أجاب «الخليلى» الذى بدا عليه بعض التوتر، «إن هناك جزءاً ملحقاً بشركته خاصاً بالتعدين ولديه ترخيص تنقيب يسمح له باستيراد تلك الأجهزة الخاصة بالأعماق، ويتيح له الحصول على كافة الأوراق الرسمية، التى تعمل على تحديد نوعية طبقات التربة»، ونفى بشدة بيع تلك الأجهزة لعصابات الآثار، وأردف نافياً: «تلك الأجهزة لا تستطيع تحديد مواقع المقابر الأثرية، لأن قدرتها ضعيفة من الأساس والموضوع كله موضوع تسويق ليس إلا».
- دهابة البحر الأحمر: يهربون الذهب للسودان ويدفعون «الإتاوات» لقطاع الطرق وينتظرون تقنين الجهاز للعمل فى أمان
- ثلاثة قوانين.. والحكم براءة
ورغم تأكيد «حسيب» أن الجهاز يخضع لقانون الاتصالات، ولكن اختلفت رؤية ثلاث جهات مصرية لاقتناء والاتجار فى الجهاز، حيث لا يعاقب قانون الآثار رقم 117 لسنة 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، حملة ومقتنى الجهاز إلا لو قبض عليهم داخل المناطق الأثرية، ويساوى القانون بين الجهاز وأى جاروف أو معدة صغيرة، ولا يختصه بأى شىء رغم خطورته، يقول عمر الحضرى، مفتش آثار بمنطقة سقارة.
وتابع: «أراضى الآثار، وهى لا تمثل شيئاً بالنسبة للمناطق الأثرية الموجودة خارجها، التى تضج بالمقابر، والتى لا يختص فيها القانون بحيازة الجهاز وهى المناطق التى تعمل فيها عصابات الآثار بكثافة، خاصة فى صحراء الصعيد والمناطق المتاخمة للمناطق الأثرية تحت منازل السكان، التى يصعب كشف عمليات التنقيب بها».خارج مناطق الآثار دأب محررو محاضر الشرطة للمقبوض عليهم وبحوزتهم الجهاز، على تصنيف الجهاز بالمحظور استخدامه للأفراد لحساسيته، وفقاً للقرار الصادر عن الأمن العام، وبعض تلك المحاضر التى حصل معد التحقيق على نسخة منها صنفت الجهاز، وهو ما يؤكده محمد همام رئيس مباحث مدينة شلاتين.
وفى الوقت الذى أكد فيه مساعد وزير الداخلية اللواء «جاد الحق» أن الجهاز لا يخضع لقانون الاتصالات، إلا أن معد التحقيق حصل على تقرير فنى صادر من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ممهور بخاتم النسر، خاص بقضية حيازة جهاز كشف معادن، رقم 2 جنح اقتصادية الشلاتين لعام 2012، أورده المهندس كريم عبدالله السعداوى، بإدارة اعتماد النوع بجهاز تنظيم الاتصالات أفاد فيه بأن تلك الأجهزة تعمل فى حيز ترددى غير مسموح به داخل الجمهورية دون موافقة من الجهاز، وهو ما يعد مخالفة صريحة لقانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لعام 2013، وهو نفس ما أكده محمد حسيب، مساعد مدير إدارة اعتماد النوع بالجهاز القومى لتنظيم الاتصالات.
ولكن كان لهيئة الثروة المعدنية رأى آخر، حصل عليه معد التحقيق من تقرير فنى آخر خاص بالهيئة، فى قضية مماثلة، تحمل رقم 13 لعام 2012، الخاص بنفس نوع الجهاز الوارد فى التقرير الفنى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وأجهزة أخرى، أن اقتناء الجهاز أو شراءه أو الاتجار به لا يحتاج إلى ترخيص أو تصريح، ويمكن استخدامه فى المناطق الصحراوية، بعد الحصول على تراخيص خاصة بالحفر والتنقيب من هيئة الثروة المعدنية، وفقاً لقانون المناجم والمحاجر 86 لعام 1956.
الدكتور مصطفى إسماعيل، استشارى العلوم الجيولوجية والبيئية قال لـ«الوطن»، إن قانون هيئة الثروة المعدنية يتعامل مع الجهاز شأنه شأن معدة الحفر، له تراخيص تختص بالمناجم والمحاجر، وهى تراخيص حفر، ولكن حمله واقتناءه غير معنى به القانون، وغير مذكور، وهو أمر نتركه للهيئات الأمنية المختصة، مشيراً إلى خطورة الجهاز وانتشار استخدامه فى أعمال غير مشروعة، خاصة أن غرامات الحفر بدون ترخيص غرامات زهيدة للغاية، ولا تتساوى مع مقدار الجرائم التى يقترفها حملة الأجهزة.
إلا أن القضيتين اللتين حصلت «الوطن» على نسخة من أوراقهما انتهتا بالبراءة لحملة الأجهزة، وقال القاضى فى منطوق حكمه فى القضية رقم 155 لسنة 2012 جنح المحكمة الاقتصادية بقنا، الخاصة بحيازة أجهزة كشف معادن: «إن الأجهزة المضبوطة لا يحتاج أى منها لترخيص ومسموح باستخدامها، الأمر الذى تنهدم معه دعائم الإثبات القانونى لتلك القضية، لذلك حكمت المحكمة ببراءة المتهمين مما نسب إليهم».
«نفسنا جهة واحدة تطلع تقول أنا مسئولة عن الجهاز»، يقولها أشرف عمارة، محام متخصص فى قضايا ضبط أجهزة الكشف عن المعادن، ويقول إن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات يدعى حيناً أنها تتبعه وفى قضايا أخرى لا تتبعه مع أنها نفس الأجهزة، وعلى الرغم من أن هيئة الثروة المعدنية تقول إن حملة الأجهزة لا يحتاجون لأى تصريح، يخرج علينا خبراء الاتصالات فى بعض الأحيان بتقارير تجرم حيازته، مشيراً إلى وجود خلل قانونى وتشريعى وتنازع على الجهاز، الذى رغم استخداماته المحدودة ولكن لا يوجد قانون يذكر الجهاز وحملته أو يختصهم بعقاب.
- صنع فى مصر
ولكن كانت ثمة وسيلة أخرى استخدمتها شركات بيع أجهزة الكشف عن المعادن لاستيرادها بشكل رسمى وتسهيل الحصول على موافقة الأمن العام، كشف عنها محمد عبدالرحمن، مطور جهاز كشف المعادن، الذى تعامل بنفسه مع تلك الشركات وعلى اتصال وثيق بها، ولديه معلومات عنها، ويقول: «الشركات تعتمد فى إدخال الأجهزة على ذمة شركة تعدين أو شركات حفر آبار مياه «وهمية» أو حقيقية بعد الاتفاق معها، لصعوبة الحصول على موافقة الأمن العام».
بجانب أن بعض تلك الشركات تقوم بما وصفه بـ«الغش التجارى»، حيث تقدم نسخ مقلدة من تلك الأجهزة على أنها أجهزة أصلية، يقول «عبدالرحمن» الذى طور بنفسه أحد تلك الأجهزة «ga5000»، وباعه لإحدى الشركات، ولكن فوجئ بعرض الجهاز للبيع بعدما وضعوا علامة «صنع فى أمريكا»، وباعوه لعصابات الآثار.
الشاب العشرينى الحاصل على شهادات بأفضل ثلاثة مشروعات على مستوى الجامعات المصرية، لتطويره جهازاً لكشف المعادن، ليصل لعمق 100 متر، بدأ فى تطويره لمساعدة الفلاحين من أهل مدينته المنصورة، للوصول لقطع عملات معدنية تنتمى للعصر الرومانى، يصل سعر الواحدة منها إلى 40 ألف جنيه، مدفونة فى الأراضى الزراعية، ولكن بعد نجاح مشروعه تطور الأمر معه من بيع الأجهزة لشركات الاستيراد والتصدير إلى تصدير الجهاز لدول الخليج، حيث يستخدمونه فى التنقيب غير المشروع عن الآثار هناك، وهو ما اعتبره سوقاً مفتوحة دفعته لمحاولة تأسيس شركة تجميع وتصنيع الجهاز فى مصر، ولا يجد الشاب صعوبة فى إخراج جهازه من الجمارك المصرية، ولكن تكمن الصعوبة فى دخولها للبلاد الخليجية، حيث ممنوع دخولها للبلاد إلا بتصاريح مشددة وإجراءات غاية فى الدقة: «أنا مش ببيع لتجار الآثار فى مصر، حد الله بين وبينى اللى يضروا بلدى».
فشل التقنين فى أسوان
جنوباً فى وادى العلاقى، بمحافظة أسوان، كان هناك مشهد آخر، حيث انفرجت أسارير «عيسى جمعة»، ابن قبيلة البشارية، بعد صدور قرار رئاسى بإنشاء شركة حلايب وشلاتين للتعدين، قبل نحو شهرين للإشراف على عملية التنقيب، وما تلتها من إجراءات تقنن عمل الدهابة من قبيلتى «العبابدة» والبشارية، واستخراج تصاريح عمل للأجهزة هناك.
ولكن ما لم يكن يتوقعه «جمعة» ورفقاؤه من الدهابة أن تكون تلك الإجراءات حبراً على ورق، ومع أول شهر عمل له تضبط دورية أمنية مجموعة العمل الخاصة بهم، وتصادر جهازين من أصل خمسة أجهزة كانت معهم، يقول «جمعة» باستغراب شديد: «تجربة التقنين فشلت»، لأنها فى الأصل لا يوجد لها قانون ينظم عملها، حتى ما يخرج من تصاريح أمنية للأجهزة التى نعمل بها، تفوح بالأخطاء «بيضحكوا علينا».
يدس «جمعة» يده فى جيب جلبابه الأبيض، ليخرج التصريح الأمنى للأجهزة المصادرة، وإلى جواره تصريح العمل للأفراد: «هو هو نفس التصريح»، حيث يظهر فى خانة الاسم، الشخص نفسه صاحب الجهاز، دون توضيح نوع الجهاز ولا اسمه ولا مكان التنقيب، وأمام خانة الوظيفة كتب «جهاز كشف معادن»، ويقول ضاحكاً على شكل التصريح الذى كاد يمزقه من العصبية المفرطة: «يعنى احنا أجهزة مش بنى آدمين على كده».
«جمعة» يقول إن عدم وجود قانون يجعلهم فريسة لضباط معدومى الضمير يقومون بضبط الأجهزة بغرض الاستفادة الشخصية منها من خلال دفع بعض العساكر للتنقيب عن الذهب فى الجبال».
عوض هدل، رئيس جمعية البشارية، يقول إن شركة حلايب وشلاتين تضع شروطاً مجحفة وظالمة لعمل الدهابة، حيث وضعت نسبة كبيرة مما يخرج بها الدهابة بعد شهور من العمل فى الجبل، ونسبة ثابتة تصل إلى 20 جراماً من الذهب وهو ما يستطيع أن يتحصل عليه الفرد بعمله بالجهاز فى بعض الأحيان، هذا بخلاف تكلفة تصاريح الجهاز والعاملين أنفسهم، بجانب تحديد مناطق بعينها للتنقيب وهى مناطق نضبت من الذهب بعد العمل بها لسنوات دون وجود قانون، وحظر العمل فى مناطق ما زالت تضج بحجارة الذهب، مشيراً إلى أن تلك القيود دفعت الكثيرين للعودة للعمل بدون التصاريح التى تصدر عن الشركة والأمن.
يعتبر «هدل» أن اختصاص قبيلتى العبابدة والبشارية بتصاريح استخدام الأجهزة مفيد لقبائلهم، ويمنع الدخلاء من مدن الصعيد من الدخول لأراضيهم، ولكن فى نفس الوقت يقول إن العاملين فى الذهب من جميع محافظات مصر، ورغم أن هذا الاختصاص يسعد القبيلتين ولكن يسمح للكثيرين بالعمل دون تصريح.
استمرار انتشار الأجهزة فى ربوع البلاد يعرض ثرواتها للخطر الدائم، سواء مقابر الفراعنة التى تعمل على نبشها العصابات دون هوادة، أو المخزون الجوفى للذهب فى جبال البحر الأحمر، الذى يخرج منه يومياً مئات الآلاف من الكيلو جرامات، دون رقابة من الدولة، ليبقى الجهاز عصا سحرية، على الدولة الوقوف فى وجه مروجيها للعصابات وسارقى الكنوز، والرقابة على مستخدميها، من الباحثين والعلماء، مع ضرورة وجود تشريع يقنن مواضع استخدامها، ويضع آليات للرقابة على العاملين به.
تعليقات
إرسال تعليق